-A +A
صالح إبراهيم الطريقي

لو كان لي من الأمر شيء لذهب الدعم الجديد للتعليم باتجاهين، الأول البنية التحتية للمدارس المؤجرة والفقيرة من كل أدوات المعرفة والثقافة «معامل ــ مختبرات ــ مكتبات ــ مسارح ــ ملاعب... إلخ»، والاتجاه الثاني يصب بمرتبات المعلمين والمعلمات والحد الأدنى، والعلاوات/ سلم الرواتب الذي من المفترض أن يحتكم للأداء وليس للزمن أو السنوات وإن لم يقدم المعلم والمعلمة شيئا.

أما بناء توجه لعقل الطالب فهو يحتاج لإرادة وليس للثمانين مليارا، وأن يسأل المسؤولون أنفسهم: ما التوجه أو المسار الذي نريد للعقل أن يسلكه؟
وعبر تاريخ البشرية ثمة مدرستان لبناء العقل، إحداهما قديمة بقدم فكرة التعليم، وقائمة على التخويف وتشكيك الطالب بعقله، وأنه غير قادر على فهم الأمور، فتعلمه السؤال الوحيد والذي يحتاجه طوال حياته «هل هذا الجديد خطر يهدد هويتي، أم أتعاطى معه»؟
هذا السؤال الوحيد الذي سيطرحه العقل دائما، طالب هذه المدرسة لا يملك الإجابة عليه لاقتناعه بتفاهة عقله، وأن عليه طوال حياته اللجوء لمعلمه ليجيب على السؤال المكرور.
المدرسة الثانية قائمة على دفع العقل ليحلل ويتأمل ويفسر «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت»، وكل جديد سيقابله العقل سيطرح سؤاله المفصلي: كيف صنع وما الآلية التي يعمل بها؟ ليفهم الآلية التي وجد عليها أو صنع منها، فيعيد إنتاجه دون حاجة للآخر، وفي لحظة ما سيمر على هذه المدرسة عقل ما تدرب فيها، سيعيد ترتيب وقراءة الأشياء، فيكشف قصور الفهم، كما حدث حين انتظرت المدرسة الثانية قرنين إلى أن جاء «آينشتاين» ليصحح قوانين «نيوتن».
بقي أن أقول: المدرسة الأولى تجعل طلابها عبئا، فلا ينتجون لأن من لا يثق بعقله لن يبدع، وسيستمر رهنا للمعلم وأي مجتمع يبدع، المدرسة الثانية تجعل طلابها يبدعون، ويحتاجون الآخر بقدر حاجته لهم.